المنظمة المتعلمة





أصبحت المنظمات في الوقت الحاضر على اختلاف أنواعها ميدانا للبناء وتطوير وتركيب المعرفة فيها بغية استجابتها للتغيرات البيئية المتسارعة مثل العولمة والمعلوماتية والتطور التقني وغيرها وتبعا لذلك ظهرت أفكار ورؤى جديدة غيرت من فلسفة وطبيعة اعمال المنظمات وأصبحت المنظمات تحلق عاليا في دنيا التنافس بجناحين احدهما التعلم وثانيهما الريادة (الطائي،2:2008).

وﻤن اﻟواﻀﺢ ان ﺒﻴﺌﺔ اﻟﻴوم ﺘﺘﺼف ﺒﻌدم اﻟﺘﺄﻛد واﻟﺘﻌﻘﻴد، ﻟذﻟك ﻻ ﻴﻛون ﻛﺎﻓﻴﺎ ﻟﻠﻤﻨظﻤﺎت ان ﺘﻌﻤﻝ ﺒﺎﻷﺒﻨﻴﺔ اﻟﺘﻨظﻴﻤﻴﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴدﻴﺔ ﻓﻲ ظﻝ ﻫذﻩ اﻟﺒﻴﺌﺔ، ﻛﻤﺎ ان اﻟﻤﻌﻠوﻤﺎت ﻓﻲ ﻋﺎﻟم اﻟﻴوم ﻴﻤﻛن ان ﺘﻌﺘﺒر اﻟﻤدﺨﻝ اﻻﻛﺜر اﻫﻤﻴﺔ ﻷي ﻤﻨظﻤﺔ، ﻟذا ﻓﺎن اﻏﻠب اﻟﺒﺎﺤﺜﻴن اﻟﻤﻌﺎﺼرﻴن ﻴﻌﺘﻘدون ان اﺴﺎس اﻟﻤﻴزة اﻟﺘﻨﺎﻓﺴﻴﺔ ﺴﻴﻛون اﻟﺤﺼوﻝ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻌﻠوﻤﺎت واﺴﺘﻌﻤﺎﻟﻬﺎ، وان ﻤﺎ ﺘﺤﺼﻝ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻤﻨظﻤﺔ ﻤن ﻤﻨﻔﻌﺔ ﻤن اﻟﻤﻌﻠوﻤﺎت اﻛﺜر ﻤﻤﺎ ﻴدر ﻋﻠﻴﻬﺎ رأس اﻟﻤﺎﻝ واﻟﻤوارد اﻟطﺒﻴﻌﻴﺔ ﻤن ﻤﻨﺎﻓﻊ وﺒﻛﻠﻤﺎت اﺨرى ان ﻤورد اﻟﻤﻨظﻤﺎت ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻻﻴﺎم ﻫو اﻟﻤﻌﻠوﻤﺎت، ﻟذﻟك، ﺘﻌرف ﻤﻨظﻤﺎت اﻟﻴوم ﺒﺎﻟﻤﻨظﻤﺎت اﻟﻤﺘﻌﻠﻤﺔ واﻟﺒﻌض ﻴﻌﺘﺒر اﻟﻤﻨظﻤﺎت ﺜﻘﺎﻓﺔ وﻴﻌرف اﻟﺘﻌﻠم ﻓﻴﻬﺎ ﺒﺎﻨﻪ اﻟﺠزء اﻟﻨﺎﻤﻲ ﻤن ﺘﻠك اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ واﻻﻛﺜر ﻤن ذﻟك ان البعض ﻗد اﺴﺘﺒدﻝ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﺘﻨظﻴﻤﻴﺔ ﺒﺎﻟﻤﻨظﻤﺔ اﻟﻤﺘﻌﻠﻤﺔ.

وﺘﺴﻌﻰ اﻟﻤﻨظﻤﺎت ﻟﻠﺤﺼوﻝ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻌﻠوﻤﺎت واﻟﻤﻌرﻓﺔ وﺘﺘﺒﻨﻰ ﻤﻔﻬوم اﻟﻤﻨظﻤﺔ اﻟﻤﺘﻌﻠﻤﺔ ﻟﻛﻲ ﺘﺘﻔوق ﻋﻠﻰ ﻤﻨﺎﻓﺴﻴﻬﺎ . وﺒﻛﻠﻤﺎت اﺨرى، ان اﻟﻤﻨظﻤﺎت ﺘﺴﻌﻰ اﻟﻰ ﺘﺤﻘﻴق اﻟﻤﻴزة اﻟﺘﻨﺎﻓﺴﻴﺔ، وﻴﻛﻤن ذﻟك ﻓﻲ ﻗدرﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻔوق ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﺎﻓﺴﻴن ﻓﻲ ﻤﺠﺎﻝ او اﻛﺜرﻤن ﻤﺠﺎﻻت اﻻداء اﻻﺴﺘراﺘﻴﺠﻲ، وﻴﻌﺘﻤد ذﻟك ﺒﺸﻛﻝ اﺴﺎﺴﻲ ﻋﻠﻰ ﻤﻌدﻝ اﻟﺘﻌﻠم اﻟذي ﻴﺤﻘق انخفاضا ﻤﻠﻤوﺴﺎ ﻓﻲ ﻛﻠف اﻻﻨﺘﺎج وﻴﺸﻛﻝ ﻤﻴزة ﺘﻨﺎﻓﺴﻴﺔ ﻓﻲ ﻤﺠﺎﻝ ﻗﻴﺎدة اﻟﻛﻠﻔﺔ او اﻻﺒﺘﻛﺎر وادﺨﺎﻝ اﺴﺎﻟﻴب ﺠدﻴدة ﻓﻲ اﻻﻨﺘﺎج وﺘﻘدﻴم اﻟﺨدﻤﺎت ان ﻛﻝ ذﻟك ﻻ ﻴﺘﺤﻘق اﻻ ﺒوﺠود ﻤوﺠﺔ ﺠدﻴدة ﻤن اﻟﺘﻌﻠم ﺘؤدي اﻴﺠﺎد وﺘﻘوﻴﺔ اﻟﻤﻴزة اﻟﺘﻨﺎﻓﺴﻴﺔ. (حسون واخرون،4:2012)

وذكر (طاهر،10:2011) أن ﻓﻜﺭﺓ ﺍﻟﻤﻨﻅﻤﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻤﺔ بدأت ﻤﻨﺫ ﺍﻟﺴﺒﻌﻴﻨﻴﺎﺕ ﻤﻥ ﺍﻟﻘﺭﻥ ﺍﻟﻌﺸﺭﻴﻥ ﺤﻴﺙ ﺍﺸﺘﻘﺕ ﻤﻥ ﻋﻤل ﺍﺭﺠﺭﻴﺱ ﻭﺴﻜﻭن (Argrris & Schon 1978) ﻋﻥ ﺍﻟﻤﻨﻅﻤﺔ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻤﺔ ﻜﻤﺎ ﺘﻌﺯﻯ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﺩﺭﺍﺴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺎﻡ ﺒﻬﺎ ﺭﻴﻔﺎﻨﺯ Revans1983)). ﻭﺘﻌﺘﻤﺩ ﺠﺫﻭﺭ ﺍﻟﻤﻨﻅﻤﺔ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻤﺔ ﺍﻟﻰ ﻁﺭﻴﻘﺔ ﺍﻟﺒﺤﺙ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ ﻭﻨﻅﺭﻴﺔ ﺍﻟﺘﻨﻅﻴﻡ ﻭﺍﻟﺘﻨﻅﻴﻡ ﺍﻟﻌﻀﻭﻱ ﻜﻤﺎ ﻴﻌﺯﻯ ﻤﺼﻁﻠﺢ ﺍﻟﻤﻨﻅﻤﺔ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻤﺔ ﺍﻟﻰ ﻤﺴﺅﻭﻟﻴﺔ ﺍﻟﻤﻨﻅﻤﺎﺕ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻜﻴﻑ ﻤﻊ ﺘﻁﻭﺭﺍﺕ ﺍﻟﻌﺎﻟﻡ ﺍﻟﻤﻌﺎﺼﺭ ﺍﻟﻤﻠﺊ ﺒﺎﻟﺘﻐﻴﺭ ﻭﺍﻟﻔﻭﻀﻰ ﻭ ﺍﻹﻀﻁﺭﺍﺏ ﻭﺍﻥ ﺘﺤﻘﻴﻕ ﺘﻠﻙ ﺍﻟﻤﺴﺅﻭﻟﻴﺔ ﺘﺘﻁﻠﺏ ﺘﺤﻭل ﺍﻟﻤﻨﻅﻤﺎﺕ ﺍﻟﻰ ﻤﻨﻅﻤﺎﺕ ﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ ﻭﺘﻌﻠﻤﻴﺔ.

ان فكرة المنظمات المتعلمة مألوفة لمنظمات الاعمال لعقود خلت فبعض البراهين تظهر ان المنظمات التي تطبق مفهوم المنظمة المتعلمة مثل شركة(Coring) و(LG) و(Toyota) و(Honda) و( Petroleum British) وGeneral Electric)) تستطيع ان تتقدم الى الامام باتجاه التغير، لذا فانه من المفترض بان المنظمة المتعلمة قد وفرت فرصة للمنظمات ليس فقط ان تحصل على ميزة تنافسية في بيئة الاعمال غير المستقرة، ولكن كي تحافظ على ريادتها بشكل سريع نحو التغيير، ويعود تاريخ المنظمة المتعلمة الى(Peter Senge) والتي حددها من خلال القواعد الخمسة التي تميزها (البراعة الشخصية، النماذج العقلية، الرؤيا المشتركة، فرق التعلم، والتفكير النظمي) . وعلى وفق ذلك توصف المنظمة المتعلمة بان فيها ثقافة تنظيمية يكون تطوير الفرد من اولى اولوياتها ويصف Peter Senge)) المنظمة المتعلمة على انها منظمة يستطيع الفرد ان يتعلم فيها لان العملية التعليمية مكرسة في نسيج الحياة (إبراهيم،8:2014)، ويعد التعلم التنظيمي مفهوما حركيا يؤكد في جوهره الفكري على الطبيعة المتغيرة، بشكل مستمر سواء أكان على مستوى الشخص أو الجماعة أو المنظمة، وقد تتغير قدرات وقابليات الشخص الذهنية والمعرفية جراء التدريب والممارسة والتفاعل، وكذلك الحال تتغير الهياكل التنظيمية جراء التعلم، بما يجعل منها هياكل مرنة تعكس رؤية الإدارة في تحويل المنظمة من وضعها الهرمى التقليدي إلى منظمة متعلمة ومعاصرة، حيث يسري أثر التعلم الشخصي والجماعي ويتحول ليصب في القاعدة المعرفية للمنظمة وهذا هو بالضبط ما طرحه كل من (Honey) وزميله (Munford) في هرمهما والذي سمي باسميهما (Munford& Honey Pyramid of Learning) والذي يعكس مستويات التعلم على وفق المستويات التنظيمية الإدارية المكونة للهيكل التنظيمي لأي منظمة كما في الشكل التالي: 



هرم (Munford& Honey) لمستويات التعلم التنظيمي
المصدر: (البغدادي، 3:2008)

واتساقا من هرم التعلم هذا، فان التعلم التنظيمي بكل مستوياته يشكل المستوى الذي تنطلق منه المنظمة لكي تسمى منظمة متعلمة، على ان هذا التقسيم لمستويات التعلم لا يعني عدم وجود تداخل وتفاعل بينهما.

وتقتضي عملية التغيير التنظيمي التحول في المنظمات من منظمات تقليدية الى منظمات متعلمة تختلف عنها في عناصرها الخمسة الأساسية ويوضح الشكل التالي جوهر هذا التحول:


(التحول من المنظمة التقليدية الى المنظمة المتعلمة)
المصدر: (إبراهيم، 8:2014)


المصادر:

  1. إبراهيم، نور خليل، (2014)، دور المنظمة المتعلمة في تطبيق سلوكيات فرق العمل/دراسة استطلاعية في مصرف الرشيد، مجلة العلوم الاقتصادية والادارية، كلية الادارة والاقتصاد، جامعة بغداد، مجلد 20، العدد 77
  2. البغدادي، عادل هادي، (2008)، العلاقة بين خصائص المنظمة المتعلمة وجاهزيتها للتغيير/ دراسة مقارنة في كليتين من كليات التعليم العالية الخاص في بغداد، مجلة القادسية للعلوم الإدارية والاقتصادية، كلية الإدارة والاقتصاد، جامعة الكوفة، مجلد 10
  3. طاهر، فاضل جميل،(2011)، تأثير ابعاد التعلم المنظمي في توافر ابعاد المنظمة المتعلمة/ دراسة وصفية تحليلية لآراء عينة من العاملين في وزارة التخطيط العراقية، مجلة العلوم الاقتصادية والإدارية، المجلد 17، العدد 4
  4. الطائي، علي حسون، (2008)، خصائص المنظمة المتعلمة وإدارة الريادة/ العلاقة والاثر في الشركة العامة للصناعات الكهربائية، مجلة القادسية للعلوم الإدارية والاقتصادية، مجلد 10، العدد 1
  5. حسون، على وفاضل، حمد سلمان وفدعوس، عامر، (2012)، أثر المنظمة المتعلمة في تحقيق الميزة التنافسية، مجلة كلية بغداد للعلوم الاقتصادية الجامعة، العدد32 

Post a Comment

أحدث أقدم