التفكير الاستراتيجي


مقدمة

عرفت البشرية خلال تاريخها الطويل ثلاثة أنواع من التفكير الاستراتيجي ، انتقلت خلالها من التفكير البدائي الذي ساد قرون طويلة معتمدا على الخرافة والتنجيم، إلى التفكير العلمي الذي بدأت ملامحه في التشكيل في القرن السابع عشر ، والمعتمد على مناهج البحث العلمي، ثم انتقل التفكير البشري منذ الربع الأخير من القرن العشرين إلى التفكير الاستراتيجي بوصفه نهجاً جديدا قائما على مجموعة من الاطر النظرية التي تقوم على معطيات الواقع وذلك لأحداث نقله نوعية بأساليب التفكير نهجاً وتطبيقاً (الحاج محمد, 26:2011)


وهذا يمثل وجهة نظر الفكر الغربي أما نحن كمسلمين فلنا نظرتنا الخاصة في بداية ظهور التفكير العلمي والاستراتيجي حيث بدأ منذ نزول الوحي على محمد صلى الله عليه وسلم.


فالتفكير الاستراتيجي هو الاسلوب الذي يمكن مديري المنظمات من توجيه منظماتهم بدءاً من الانتقال من مجرد العمليات الإدارية اليومية، ومواجهة ألازمات وصولا إلى رؤية مختلفة للعوامل الديناميكية الداخلية والخارجية القادرة على تحقيق التغيير في البيئة بما يحقق توجيها فعالا بصورة أفضل لمنظماتهم، بحيث يكون المنظور الجديد متوجهاً أساساً إلى المستقبل مع عدم إهمال الماضي )سلسلة التنمية الإدارية الذاتية، 2004(.


وللتعرف على التفكير الاستراتيجي سنتطرق إلى بعض مرتكزاته وكالآتي:


اولا : مفهوم التفكير الاستراتيجي



إن الإنسان بطبيعته كائن اجتماعي، يسعى للانخراط في مجتمعه بل ويحرص على أن يحظى بمكانة فيه، وأن يحوز تقدير واحترام أفراده، فلابد أنه سيتخذ قرارات تتيح له السباحة ببراعة في هذا الوسط، وستضع في حساباته ردود الأفعال المتوقعة من عناصر البيئة الداخلية والخارجية. لذلك فالإنسان بصورة أو بأخرى يمتلك عقلاً استراتيجياً، ونجد أن أكثر الناس نجاحاً تميزوا بملكة التفكير الاستراتيجي فالعمل الذي يبدو أحياناً أنه عفوي، لا يعني عدم امتلاك صاحبه للفكر الاستراتيجي فالفكر الاستراتيجي جزء من تكوين الناجحين، يسري في عقولهم كما تجري الدماء في شرايينهم (سلطان، 2010(.


استخدم مصطلح التفكير الاستراتيجي في إطار الإدارة الاستراتيجية وتطور بشكل ملحوظ في منتصف القرن العشرين منذ بدايات 1960 إلى نهايات 1980 ،وفي نهاية الثمانينيات حدثت نقله مهمة في منطق التفكير الاستراتيجي نتيجة العولمة وتطور التكنولوجيا والتغيرات السريعة في البيئة التنافسية (2000,Kluyver )نقلاً عن ( دي ارني2011, )


فقد عرف (هلال،2011) التفكير الاستراتيجي: على أنه الطريق الابتكاري للتفكير في كيفية الرؤية المستقبلية للقضايا المتوقعة والتنبؤ بالفرص والتهديدات التي يمكن أن تواجهها المنظمة، وتصور السيناريو المستقبلي للتعامل معها بما يضمن بقاء واستمرارية ونمو المنظمة.


في حين تنظر (المبارك , 2006) للتفكير الاستراتيجي بأنه :"الأسلوب الذي يتمكن من خلاله المسؤولون من توجيه المنظمة بداية من الانتقال من العمليات الإدارية والأنشطة الإجرائية ومواجهة ألازمات إلى تكوين رؤية مختلفة للعوامل الداخلية المتغيرة والعوامل الخارجية القادرة على خدمة التغيير المطلوب في البيئة المحيطة بما يتضمن في النهاية أفضل استخدام ممكن لأمكانات التنظيم بصورة أساسية مركزة على المستقبل دون إهمال للماضي


ويعرف التفكير الاستراتيجي ايضا بأنه "قناة فكرية تبث وتستقبل صورا وأفكارا تتناسب مع الهدف المنشود، ولا تلتقط الصور والأفكار المرسلة من قناة فكرية أخرى ترهق الذهن وتشوشه وتعيق سرعته وفاعليته الا ما كان منها متعلقا ب بالموضوع" (الغالبي وادريس،2007)


أما(عواد، 2012) فيرى التفكير الاستراتيجي بأنه قدرة الفرد على فحص وتحليل عناصر البيئة المختلفة والقيام بإجراء التنبؤات الدقيقة للمستقبل مع إمكانية صياغة الاستراتيجيات واتخاذ القرارات المتكيفة مع ظروف التطبيق والقدرة على كسب معظم المواقف التنافسية بالإضافة إلى إدراك الأبعاد الحرجة والمحورية في حياة المنظمة والاستفادة من مواردها النادرة


وتعرف (الخفاجي، 2010) التفكير الاستراتيجي بأنه: " أسلوب تحليل المواقف التي تواجه المنظمة والتي تتميز بالتحدي والتغير، ومن ثم التعامل معها من خلال التصور لضمان بقاء المنظمة وارتقائها بمسؤولياتها الاجتماعية والأخلاقية حاضرا ومستقبلا".


ثانيا : خصائص التفكير الاستراتيجي:

يرى (عابدين ,2002) بعض الخصائص التي تميز التفكير الاستراتيجي عن غيره من أنواع التفكير وهي:
  1.  التوجه الديمقراطي وتبني مبدأ المشاركة.
  2.  المزاوجة بين الاهتمام بتحسين اداء المنظمة وانتاجيتها وبين التخطيط بنظرته المستقبلية.
  3.  المنهجية العلمية التقنية المتقدمة في استجاباتها للمشكلات بعد التنبؤ بها وبأبعاده المستقبلية وما ينتج عنها من حلول، مقارنة بالحلول الفورية الآنية.
  4.  ربط الفكر بالعمل والتطبيق لإحداث التغيير وتقويمه.
  5.  التحول من مجرد الكلام عن التغيير إلى تحقيق التغيير وتطبيقه في المنظمة وفي المجتمع والبيئة المحيطة به.

 

ثالثا : عناصر التفكير الاستراتيجي 

يتضمن التفكير الاستراتيجي على المستوى الفردي ثالثة عناصر أساسية :

  1. التفكير المنظم (System Thinking) : يمثل القدرة على تركيب وتكامل العناصر المتنوعة لفهم كيفية تفاعلها مع بعضها البعض للوصول إلى أهداف المنظمة، بحيث يتم دراسة الأجزاء من حيث علاقتها بالكل، وتقييمها، حيث نجاحها في خدمة أهداف النظام .(Maccoby,2004).
  2.  الإبداع (Creativity) هو إنتاج شيء جديد لم يكن موجود من قبل على هذه الصورة ويمكن تضمين جميع أبعاد الإبداع في تعريف شامل ينص أن الإبداع مزيج من القدرات والاستعدادات والخصائص الشخصية التي إذا وجدت بيئة مناسبة يمكن أن ترقى بالعمليات العقلية لتؤدي إلى نتائج أصيلة ومفيدة سواء لخبرات الفرد أو الشركة أو المجتمع أو العالم. (Grown,2005).
  3. الرؤية المستقبلية: (Vision) تعكس الرؤية الاستراتيجية طموحات المنظمة وتزودها بنظرة شاملة عن (إلى أين نذهب)وتعطي اشراقات حول تطلعات المنظمة وترسم مسار استراتيجي لها من اجل الولوج فيه ( Thomson & Strickland,1995) .
الشكل رقم (2) عناصر التفكير الاستراتيجي



رابعا : افتراضات ومتطلبات التفكير الاستراتيجي:

يكشف (Garratt et al ,1998 (عن الافتراضات والمتطلبات الأساسية التي يستند عليها ممارسة التفكير الاستراتيجي والذي يفضي لرؤية استراتيجية شاملة وهي :

  1. توافر مستوى من الذهنية المتفتحة وخبرة ميدانية في إدارة المنظمات، ليس بالضرورة الانخراط في برنامج تعليمي محدد والحصول في نهايته على درجة علمية في التفكير الاستراتيجي.
  2. يتطلب الالتحاق باستمرار في برامج تدريبية متقدمة لتطوير المقدرات الذهنية وتنشيط آليات التفكير في استشراف المستقبل.
  3. يستلزم توافر إدارة مؤمنة بضرورة ممارسة التفكير الاستراتيجي في المنظمة ومحفزة لمواردها البشرية لتعلم هذا النوع من التفكير.
  4. ويظهر أن الافتراضات آنفة الذكر تؤكد على جوانب متعددة منها (ذاتية) مرتبطة باندفاع الأفراد وأخرى (موضوعية) مرتبطة بمصداقية الإجراءات وثالثة (تطويرية) مرتبطة بإثراء المعارف والتجارب والخبرات ورابعة (إسنادية) مرتبطة بوجود إدارة ذات عقلية متفتحة ومؤمنة بأهمية التفكير الاستراتيجي والأهم من ذلك كله هو أن هذه الافتراضات تمثل منظومة تكاملية تفاعلية ويمكن تجسيدها بالشكل رقم (3)


الشكل رقم (3)
الجوانب الافتراضية للتفكير الاستراتيجي


المصادر العربية
  1. الحاج محمد، أحمد، (2004)، "التخطيط التربوي الاستراتيجي الفكر والتطبيق"، دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، عمان.
  2. حافظ، حازم، (2011 ), "تنمية المهارات الإدارية والسلوكية لمستويات الإدارة العليا"، الطبعة الأولى المكتب العربي للمعارف، مصر.
  3.  سلطان، جاسم, (2010), "التفكير الاستراتيجي والخروج من المأزق الراهن"، ط1, مؤسسة أم القرى للترجمة والتوزيع، مصر.
  4. هلال، محمد,(2008), "مهارات التفكير التخطيط الاستراتيجي كيف نربط بين الحاضر والمستقبل", مركز تطوير الأداء والتنمية, مصر.
  5.  المبارك، معصومة,(2006)، "القيادة والتفكير الاستراتيجي الطريق إلى المستقبل"، ورقة عمل مقدمة للقاء الاداري الرابع للجمعية السعودية للإدارة، الخبر، من الفترة .
  6.  الغالبي وإدريس, (2007), "الإدارة الاستراتيجية – منظور منهجي متكامل"، دار وائل للنشر، الطبعة الأولى، عمان.
  7. عواد، فتحي , (2012), "إدارة الاعمال ووظائف المدير في المؤسسات المعاصرة" دار صفاء للنشر و التوزيع, عمان.
  8.  الخفاجي، نعمة, (2010), "الإدارة الاستراتيجية- المدخل والمفاهيم والعمليات"، ط1، دار الثقافة للنشر والتوزيع, عمان.
  9. الطويل، هاني, (2001) "الإدارة التعليمية"، مفاهيم وآفاق، ط ٢، دار وائل للنشر والتوزيع, عمان.
  10.  الكبيسي، عامر، (2006), "القيادة والتفكير الاستراتيجي الطريق إلى المستقبل"، ورقة عمل مقدمة للقاء الإداري الرابع للجمعية السعودية للإدارة، الخبر، من الفترة 21-22.
  11.  عابدين، محمود (2002) , "قضايا تخطيط التعليم واقتصادياته بين العالمية والمحلية"، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة.
  12.  الشويخ، عاطف, (2007) , "واقع التخطيط الاستراتيجي في مؤسسات التعليم التقني في محافظات غزة", رسالة ماجستير، الجامعة الإسلامية، غزة.
  13.  الدجني، اياد,(2006) , "واقع التخطيط الاستراتيجي في الجامعة الإسلامية في ضوء
  14. معايير الجودة". رسالة ماجستير، الجامعة الإسلامية، غزة.
  15. .منتزبرج، هنري ,(1995), "سقوط ونهوض التخطيط الاستراتيجي". معهد الإدارة العامة،المجلد35 ، العدد1 .(ترجمة :الحمود، أحمد).
  16.  الحاج محمد، أحمد, (2001) , "التخطيط التربوي الاستراتيجي الفكر والتطبيق". دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة: عمان.


References


 Kluyver, C.A. (2000). Strategic Thinking: An Executive Perspective. Prentice Hal: N.J. .


 Thompson Jr., Arthur A. and Strickland III, A. J., (1995). "Strategic Management: Concepts and Cases. McGraw, Boston


 Liedtka, J. M. (1998). Strategic Thinking: Can It Be Taught?. Long Range Planning, 31(1), p p 120-122.


 Garrat, et al., (1998), Developing Strategic Thought Redis Covering the art of direction giving, Mc Graw-Hill book Company, New York.


Post a Comment

أحدث أقدم