الحاجة إلى المنظمة المتعلمة ومبررات وجودها





أدت التطورات التكنولوجية والاجتماعية والاقتصادية المتعددة التي شهدها العقد الأخير من القرن العشرين الى تغير بيئة العمل، وظهور المنافسة الحادة بين المنظمات من اجل البقاء والاستمرار والانتشار والانتاج والارباح، واتضح ان المنظمات التي لا تستطيع التكيف المستمر مع تغيرات البيئة الداخلية والخارجية عن طريق التعلم التنظيمي وتسريع مستويات الأداء وتحسين جودته، سوف تنتهي في فترة قصيرة، وان نظيراتها التي تستطيع ان تحول نفسها الى منظمات متعلمة، ستتعامل مع التغيير بنجاح وتستطيع البقاء والاستمرار، وهناك العديد من المبررات التي تؤدي الى تبني مفهوم المنظمة المتعلمة، فالمنظمات المعاصرة تحتاج الى ان تمتلك معرفة ومرونة وقدرة اكبر على التعلم لكي تتصدى بشكل افضل لمتغيرات البيئة وطموحات العملاء، وان المنظمات التي تتعلم اسرع سوف تكون اقدر على التكيف وتحقيق مزايا استراتيجية في التنافس المحلي والعالمي ومن هذه العوامل التي تبرز الحاجة للتحول الى المنظمات المتعلمة: (أبو عفش،32:2014-34) (النعيمي ونايف،16:2012)

العولمة Globalization: 

تحقق العولمة نجاحا في الاقتصاد تبرزه الإحصاءات التي تشير إلى أن (100 ألف) شركة أمريكية ارتبطت في مضاربات في أرجاء العالم، وأن كثيرا من الشركات العالمية تصنع وتبيع بشكل أساسي خارج بلادها الأصلية وان أسواق المال مفتوحة 24 ساعة يوميا حول العالم، وأن الاستثمار الأجنبي في أمريكا بلغ (3 تريليون دولار) وأتاح فرص وظيفية لأكثر من (11 مليون) أمريكي عام 1997.

التقنية Technology: 

التقنية بدأت تحدث تغييرا واضحا في مكان العمل فلم يعد يحدث في مكان معين او من خلال مجموعات ثابتة وأوقات محددة، وإنما ينفذ العمل على أساس الحاجة في الوقت والمكان والبشر، فالتقنية هي التي تبني العمل، وتجعل المديرين مسؤولين عن إدارة المعرفة بدلا من إدارة الأفراد، وتشكل التقنية جزءا رئيسا في كل المنتجات وفي جميع الأنظمة الصناعية المتطورة، وفي شبكة المعلومات العنكبوتية التي تفتح آفاقا في التطور والتي يتم من خلالها كثيرا من الصفقات التجارية واستخدام تطبيقات جديدة للتقنية في العمل وإدارة المنظمات يترتب عليها سرعة التعلم وإدارة المعرفة في مكان العمل. 

التحول الجوهري في أساليب العمل:

تغيرت أساليب العمل تغيرا جذريا، فلم يعد الموظفون يشغلون المكاتب، وانما يعملون في الوقت نفسه متقاربين دون أن يتقابلوا، وانتقلت المنظمات من إدارة الجودة في الثمانينيات إلى إعادة هندسة العمليات الإدارية في التسعينيات إلى التحول الجوهري في أساليب العمل عند دخول القرن الحادي والعشرين، أي أن المنظمات تحركت من التركيز على تقليل العيوب وتحديث وتطوير عمليات العمل الى ابتكار أنماط جديدة تمكنها من إدارة التغيير المستمر.

زيادة تأثير العملاء:

أصبح العملاء أكثر تأثيرا في تحديد إستراتيجية منظمات المستقبل وتنفيذ عملياتها، ومصدر توجيه إدارتها إلى أولوية الجودة من خلال معايير جديدة للأداء، والتنوع في الإنتاج، والملائمة في الوقت، والاستجابة المستمرة لأذواق العملاء، كما ساعدت الاتصالات العالمية والتسويق على زيادة وعي العملاء بالمنتجات والخدمات الممكنة، والخيارات ذات الجودة العالية والتنوع والتكلفة المنخفضة، وسرعة الوقت، والمجاملة في التعامل، والابتكار في الإنتاج، وتوفر خدمات ما بعد البيع.

المعرفة Knowledge: 

يعتمد التقدم التقنـي والعولمـة والاقتصاد على المعرفـة، فثروة الأمم تعتمد على توليد المعرفـة وتعميقها وتحديثها، والاقتصاد العالمي يتجه إلى التقنية الحيوية والمنتجات البيئية والخدمات السياحية والمالية والترفيهية ونظم المعلومات ويرامج الكمبيوتر وخدماته، لذا أصبحت المعلومات أهم مصادر الثروة، وصارت المعرفة أكثر أهمية للمنظمات من أي أصل اخر من أصولها، وأضحى العنصر البشري المصدر الرئيس لقوة المنظمة، ومع ازدياد قيمة المعرفة في المنظمات أصبح التعلم والعمل أكثر تلازما، فالتعلم يتم أثناء العمل، والعمل يفقد جودته إذا كان لا يستند إلى التعلم، ومع الألفية الثالثة أصبحت معظم الوظائف في أمريكا تعتمد على إنتاج المعرفة، واكتشف عمال المعرفة أن التعلم المستمر والتعلم الذاتي ليس فقط شرطا لازما للتوظيف وإنما أصبح فعلا الشرط الرئيس للعمل في القرن الحادي والعشرين.

تغير أدوار وتوقعات العاملين: 

تتغير متطلبات الوظائف كلما تحرك المجتمع من عصر الصناعة إلى عصر المعرفة، ففي عصر الإنتاج العقلي يحتاج الموظفون إلى المعرفة التي تتعامل مع المفاجأة، والتحول من الاعتماد على الذاكرة والحقائق إلى التلقائية والتأمل والإبداع، ومن التركيز على السياسات والإجراءات إلى بناء علاقات التعاون داخل فرق العمل المدارة ذاتيا، ومنظمات المستقبل سوف تتألف من المزيد من موظفي المعرفة في كافة المستويات، لأن المعرفة تحتل الصدارة في عوامل الإنتاج، وفي عوامل نجاح المنظمات، وتزداد قيمة المعرفة الناتجة من تعلم الموظفين مع الاستخدام والممارسة في حين تتناقص قيمة الأصول الأخرى في المنظمة، وهذا يتطلب من المنظمات المعاصرة ان تحسن جذب واستقطاب عمال المعرفة وتحرص على الاحتفاظ بهم من خلال التحفيز الإيجابي والتفاعل الاجتماعي وتعزيز التعلم وتوفير بيئة مشجعة لهم، وكذلك فأن تحسن المستوى العلمي للموظفين وتزايد أعداد الحاصلين منهم على شهادات الماجستير والدكتوراه، واتساع نشاطات البحث والاستشارة وبرامج التدريب والتطوير في العديد من القطاعات، يؤدي إلى زيادة الاهتمام بالمعرفة. 

تنوع وتنقل مكان العمل: 

القوى العاملة في العالم أصبحت أكثر تنوعا وتنقلا أكثر من أي وقت مضى، والشركات تصل بشكل متزايد عبر الحدود لتجد المهارات التي تحتاجها، هذه التحركات والتنقلات للعاملين تقاد بزيادة الفجوة بين الطلب والعرض على العمل في العالم، فأصحاب المهارات العالية يتحولون للعمل في البلدان الصناعية، هذا المزيج من القوى العاملة العالمية والتنقلات الهائلة تجبر المنظمات على تطوير قدراتها للعمل مع زيادة أعداد الناس من ثقافات، عادات، قيم، اعتقادات وممارسات مختلفة.

التصاعد السريع للتغير والفوضى:

أدركت المنظمات انها لا تستطيع التنبؤ باي شيء على وجه اليقين، هذه الفوضى هي جزء لا يتجزأ من الواقع، إنها تدفعنا لنغير طريقة تفكيرنا، وطريقة حل مشاكلنا، وطريقة تعاملنا مع النظام مقابل التغيير، والحكم الذاتي مقابل التحكم، والهيكل مقابل المرونة، والتخطيط مقابل التدفق. 

المصادر:


  1. أبو عفش، مؤيد علي، (2014)، دور المنظمة المتعلمة في تشجيع الابداع لدى العاملين في الوزارات الفلسطينية، رسالة ماجستير(منشورة)، اكاديمية الإدارة والسياسة للدراسات العليا، جامعة الأقصى، غزة، فلسطين.
  2. النعيمي، صلاح عبد القادر ونايف، باسم فيصل، (2012)، دور عمليات إدارة المعرفة في بناء المنظمة المتعلمة، مجلة كلية بغداد للعلوم الاقتصادية الجامعة، العدد 31

Post a Comment

أحدث أقدم